لماذا المدينة حلّ منتهي الصلاحية؟
هيكل جديد لعيش الإنسان
هنا آخر ما توصلت له في باب “بؤس المدينة” ومحاولة التطبب بتخيل مستقبل أفضل للإنسان. وما البؤس إلا بداية نهايته
المدينة بشكلها الحالي، حلّ منتهي الصلاحية. لماذا؟
أرجوا أن تخفف هذه المقطوعة الموسيقية من رتم نبضات قلبك في وسط صخب المدينة وسخط مرتاديها.. اهدأ
أساساً، لماذا أنشأ الإنسان المدينة؟
المدينة للإنسان هدفها الأساس هو “التبادل Exchange” بين الإنسان والإنسان، وهو في اعتقادي سبب وجذر نشأتها وتطورها من نواتها وهي “القرية”. كان الإنسان قبل المدينة (والقرية)، لا يحتاج لعملية التبادل مع إنسان آخر ربما لأسباب منها:
1) وفرة الموارد الأساسية نسبياً (تبادل مع أنظمة الطبيعة بشكل مباشر)
2) لم يصل بعد لتقنيات السيطرة على الإنسان الآخر وبقية الكائنات
من أشكال التبادل في المدينة، التبادل المعرفي والتبادل السلعي، وتبادل الشتائم! كان في وقت سابق، تبادل المعرفة يتم في المكتبات ودور التعليم مثل الجامعات والمساجد. والتبادل السلعي والخدمي يتم في الأسواق. ومن أشكال التبادل، التبادل الثقافي، بعضه مباشر كالفنون بجميع أشكالها وبعضه ضمني يظهر في نمط السلوك والتفكير
تصميم وتخطيط المدينة البائس قد تعود جذوره للثكنات والتقنيات العسكرية، فهنا المصلحة مقدمة دوماً على الدفاع والقدرة على السيطرة، بغض النظر عن الأثر السلبي على مناحي أخرى في الحياة يمكن اختزالها في كلمة واحدة>> “الجمال Beauty”
وما المشكلة؟ يبدو أن المدينة حلّ ممتاز!
كانت، ربما.
اليوم، المدينة ليست المكان الوحيد الممكن لعملية “التبادل Exchange”، فهنالك منافس شرس! المنافس هي شبكة أقوى وأرخص وأكفأ من شبكات طرق المدينة وخدماتها، وبسرعة تفوق 15,000,000x ضعف سرعة المدينة. كان ولا بد من أحداث جوهرية لتكيف الإنسان على هيكل جديد للعيش
لا يمكن للإنسان، الانتقال إلى مرحلة جديدة من التقدم بدون تغير جوهري في طريقة وأنظمة الإنتاج والتبادل. الزراعة تطلبت من الإنسان الاستيطان في مواقع تركز طاقة الماء والشمس، والصناعة لم تسيطر على المشهد حتى اكتشف الإنسان مخازن الطاقة الكربونية تحت الأرض من فحم ونفط وغاز. ما المستقبل إذاً؟ التغير بلا شك
لكل شيء “إنتروبيا” فهل المدينة ستفلت من الإنتروبيا؟ بالتأكيد لا
الإنترنت، مكان الإنسان الجديد
في الإنترنت، تتم جميع عمليات التبادل، حتى الشتائم! الإنترنت شبكة لم يعرفها معظم من مات قبل 50 سنة، وأصبح إنسان اليوم يقضي معظم وقته فيها حتى وإن تنقل فيزيائياً في أرجاء المدينة! اليوم نعيش هذه المرحلة، ومرحلة التكيف بدأت منذ فترة بظهور الأجهزة اللوحية المربوطة بالإنترنت، هذا كان الحدث الجوهري الثاني. الحدث الجوهري الأول هو انكشاف أنظمة “اقتصاد المدينة” في الأزمات المالية وظهور مشاكلها و تحدياتها على السطح. هنا أصبح الإنسان يتسائل عن المعنى، من العيش بمدينة وتحمل كل هذه التكاليف التي تستمر بالارتفاع، رغم أن الأساس هو انخفاضها حسب ما تصدح به نظريات الرأسمالية. الحدث الجوهري الثالث هو انتشار الوباء ونقل معظم الأنشطة للإنترنت، هنا تكيف الإنسان على البدء بالتبادل السلعي والخدمي عبر الإنترنت بعدما كان مقتصر على مناحي معرفية وثقافية قبل ذلك، وكان بإمكان البعض الهروب من المدينة عند حصول الأزمة إلى مواقع بعيدة عن المدن ومع ذلك البقاء على اتصال وتبادل مع إنسان المدينة
ماذا تبقى من عملية التبادل بين الإنسان والإنسان لم يتم عبر الإنترنت؟ الإنترنت أفضل شبكة عصبية كونها الإنسان حتى الآن، تتفوق على كل الشبكات العصبية السابقة التي كونها الإنسان مثل الطقوس الروحانية والتوافق الإيماني، القبيلة والتحالفات العسكرية، المدينة والتجمعات الزراعية والصناعية.
مستقبل تواجد الإنسان
لا مركزي المكان الفيزيائي <> مركزي التواجد العصبي على الإنترنت
لا أحد يعرف ماهو التأثير الحقيقي للإنترنت، فهذه الشبكة تقود الإنسان إلى بعد جديد من الحياة. هنا بعض الأمور التي تؤكد أن أهمية المدينة كمكان فيزيائي في انحدار:
تنوع طرق حصاد الطاقة من مصادر متجددة Renewable Energy
وصولية الإنترنت عبر الأقمار الاصطناعية Satellite Internet
اقتصادات قائمة على الدفع غير النقدي Cash-less Economy
الذكاء الاصطناعي الٌمنتِج/التوليدي Generative AI
هل يعني هذا أن المدينة منتهية الصلاحية؟
نعم،بشكلها الحالي. ستتغير بلا محالة، وأتوقع أن لا تشبه ما تصوره الأفلام كمدينة خيالية وناطحات سحاب وأضواء. فمصادر الطاقة المتاحة آنياً (كأنواع الوقود الأحفوري) لن تستمر إلى الأبد. عندها، ستتجه الطاقة لأهم شبكة عصبية يعتمد عليها الإنسان، الإنترنت وكل ما يبنى فوقها من عمليات تبادل. بين الإنسان والإنسان، بين كل الكائنات والجمادات، فالإنترنت شبكة تبادل تتعدى الإنسان واحتياجاته.