تكلفة العيش

في مدينة

هل المدينة

مناسبة للعيش “حالياً”؟


لا شك أن المدينة تمثِّل الفرص والعلاقات واكتمال الخدمات مثل التعليم والصحة والترفيه وغيرها.


ولكن!


هل تغير (أو سيتغير) نموذج العيش في المدينة؟ وهل هنالك فرص لنماذج عيش جديدة مناسبة للتغيرات في المستقبل القريب؟


وبما أن معظم الهجرة الحالية متجهة لمدينة الرياض في المملكة، فستكون مدينة الرياض مثال لحساب تكلفة العيش.

سؤال لك إن كنت من سكان مدينة الرياض، وأرجو أن تجيب عليه بصراحة، هل تعجبك الحياة في مدينة الرياض حالياً؟



بغض النظر عن إجابتك، لنأخذ مثال لشخص تخرج للتو من الجامعة من أحد المدن الأخرى ويرغب في الانتقال للرياض للعمل فيها وذلك لتركزّ الفرص فيها (خطأ استراتيجي).


لنفترض أن هذا الشخص سيحتاج على الأقل 5 سنوات لتكوين نفسه وربما لاحقاً تأسيس عائلة نووية. لنأخذ بعض البنود التي تختلف فيها التكلفة بالعيش في مدينة الرياض عن مدينته التي انتقل منها (بافتراض أنها ليست من أكبر 5 مدن في المملكة لتتضح الصورة فقط):


  • تكلفة التنقل الشخصي في مدينة الرياض كبيرة، قد يكون الحل جزئياً في مشروع المترو والحافلات (موضوع سابق عن التكلفة بالريال لكل كيلو متر)

  • تكلفة السكن! (هذه لوحدها تحتاج تفصيل، والكل يعرف الأزمة في وضع الإسكان والعقار وسأعود لها بمواضيع مختلفة، ليش؟ لأني أعتقد أن متون للتقنية ستساعد في الحل معلوماتياً ومحدثكم هو مؤسسها)

  • تكلفة كل خدمة أو بضاعة أعلى في مدينة الرياض لأسباب متعلقة بالقوة الشرائية وتكاليف مقدمي الخدمات (لأن أغلبهم يعيش في نفس المدينة)، بالإضافة إلى إيصال البضائع من الموانئ للمدينة (أو عن طريق الطيران).. قد شفت طوابير التريلات والشاحنات خارج حدود مدينة الرياض؟

  • التكلفة النفسية، ضجيج وتلوث متنوع (بصري وصوتي وهوائي وإنساني وضوئي… وغيرها)

  • بناء طريقة عيش باعتمادية كبيرة على أنظمة المدينة التي تتهالك مع الوقت وترتفع تكلفة تشغيلها (إسأل نيويورك!).. خذ مثال، الماء.

  • المدن المتطورة لا تلبي احتياجات الإنسان بطريقة متوازنة وتميل لمحاولة إصلاح ذلك باستخدام الاستهلاك لتحفيز مسارات هرمونات السعادة في الدماغ


لا شك أن جائحة كورونا (كوفيد-19) كان لها أثر في تغيير نظرتي عن المدينة والبحث عن حلول لتحديات العيش في المدن لأسباب كثيرة. بالإضافة للرحلة الرهيبة في أرجاء المملكة!


منها:

  • لا يمكن للمدن الرئيسة (الرياض، جدة ، الدمام) احتواء العاطلين عن العمل والداخلين لسوق العمل من الأجيال القادمة، ببساطة لأن نسبة نموهم تفوق بكثير قدرة هذه المدن على خلق وظائف

  • كثير من الأنشطة مثل التعليم والعمل المبني على إنتاج معرفي، انتقلت للسحابة الإلكترونية في فترة الجائحة. بل أنه أصبح تفضيل عند البعض مما يدل على تغيّر جوهري في مكان وطريقة أداء المهام

  • معظم وظائف المستقبل تقنية المنشأ (موقع حدوثها أو الآلآت المستخدمة معتمدة على التقنية)، فلا يهم من أين تتم المهمة

في اعتقادي أن هنالك عدة أمور جعلت من رفاهية العيش خارج المدن ممكنة اليوم، ولم يكن كذلك في الماضي القريب.


  • الانترنت، في السابق كانت المدينة وحدها تمثل الشبكة الأهم بالنسبة للشخص ولكن في عصر الانترنت أصبحت شبكة علاقاتك عالمية وتعتمد عليك أنت في تكوينها لا في من تقابله بالصدفة في المدينة (إلا في بعض العلاقات التي تتطلب تواجد جسدي لبناء مستوى معين من التقارب)

  • الوصول السريع لكل الخدمات من أي مكان، وهذا يكمن في أمرين


    1) سرعة اتصال الانترنت، وهذا تحقق في مواقع كثيرة من المملكة مع مشروع إيصال خدمات النطاق العريض


    2)التحول الحكومي لتقديم الخدمات إلكترونياً وكثير من مقدمي الخدمات في القطاع الخاص مع ارتفاع زخم منظومة ريادة الأعمال

  • انخفاض تكلفة الطاقة المتجددة، رغم أن وصول الكهرباء لدينا عالي وبتغطية ممتازة لجميع المدن والمحافظات، ولكن مع ارتفاع الأسعار وتوسيع دائرة العقارات الممكن العيش فيها، سيكون لانخفاض تكلفة الطاقة المتجددة دور كبير

  • نمو ثقافة العمل الحر، رغم أنها ما زالت متأخرة لدينا، ولكننا نلحق بالعالم تقريباً في كل شيء


ستتوفر الفرص في المدن الصغيرة نسبياً وستنمو بسرعة أعلى من المدن الرئيسة، وستعتمد على صناعات قد تكون أكثر استقراراً من صناعة النفط ومشتقاته.


في اعتقادي أن السياحة والزراعة والصناعات المتخصصة (من ضمنها تقنيات البناء) ستكون أكبر موفر للوظائف في المملكة في العقود القادمة، وستكون هذه الوظائف ذات طابع تعقيد متقدم، تتطلب مهارات عالية وفهم للمجتمع المحلي.


يتبقى مشكلة أعتقد أنها كبيرة لدينا ولا يوجد لها حل جذري، وهي الماء (رغم أنه يمكنك جمع نسبة جيدة من احتياجك السنوي عبر الأمطار الساقطة على أسطح المباني والطرق في أغلب المناطق ذات البيئة الصحرواية من المملكة). لدي أفكار تحتاج لأن تنضج في هذا الجانب.

في انتقال بعض القوة العاملة التي استفادت من المدن الرئيسة في بناء خبراتها، ستتحقق فوائد اقتصادية واجتماعية كثيرة، منها:

  • التنوع ونقل الخبرات والمعرفة لهذه المدن الصغيرة نسبياً

  • زيادة روابط الأسواق والاقتصاد (مؤشر التعقيد الاقتصادي ECI)

  • تخفيف الضغط على المدن الرئيسة

  • زيادة روابط النسيج الاجتماعي

  • المشاركة في نمو مناطق وأسواق جديدة


إذا كنت تعيش في مدينة الرياض أو تريد الانتقال لها، فيجب أن تعي أنك تعمل بجد كل يوم لدفع تكاليف مستمرة بالارتفاع، بينما يمكنك تجنبها


(ابحث عن فرص جديدة في مكان أقل تكلفة وحيث النمو المتوقع يفوق النمو في مدينة أخذت حقها من النمو)


حدّد، هل تريد أن تعمل في مدينة

جلّ ما تتحصل عليه

يذهب في الفرق

وقد يؤثر سلباً عليك؟


احسبها!